Article: "Strategic Support for Environmental NGOs" (الدعم الإستراتيجي لمنظمات حماية البيئة)1/4/2016 نُشر في صحيفة الحياة
في نهاية القرن الثامن عشر، تطوّرت السياسات الخارجيّة للدول الغربيّة؛ حيث تمّ خلق منصب «وزير الخارجية» لأوّل مرّة؛ نتيجة لارتفاع أهمّية الشؤون الخارجية، في هذه الدول؛ بسبب ما يحدث فيها من أحداث؛ وأصبحت الدول الحديثة غير قادرة على عزل نفسها عن المجتمع الدولي، على ضوء نهضة العولمة الاقتصادية التي ازدهرت بعد اكتشاف أمريكا، واختراع المحرّك البخاري. ومن الظواهر الجديدة أيضاً، دعم الدولة لحركات ومنظّمات غير حكومية موجودة في دولة أخرى، كجزء من الاستراتيجيّة الخارجيّة للدولة الداعمة، مثلاً: الدعم الّذي تقدّمه فرنسا لمراكز تعليم اللغة الفرنسية، في كل أنحاء العالم؛ كوسيلة لتعزيز مدى انتشار الحضارة الفرنسية.ـ وأحياناً يتميّز مثل هذا الدعم باقتناع الجهة الداعمة برسالة الحركة أو المنظّمة غير الحكومية، بشكلٍ حقيقيّ وجذريّ، مثلاً: حينما يدعم اتحاد كرة القدم الإنجليزي أندية كرة القدم في الدول النامية، فإنّه يسعى بذلك لاستمرارية نموّ الرياضة، واعتراف المجتمع الدولي بالمملكة المتحدة، كمخترعة كرة القدم.ـ ولكن نرى أيضاً دعماً قائماً على تداخل مؤقّت في مصالح الطرفين، وربما لأجل المهنية الدبلوماسية، أو رعاية لخصوصية سياساتها الخارجية، تتظاهر الحكومة الداعمة باقتناعها برسالة الحركة أو المنظمة غير الحكومية، وتقدّم الدعم دون اعتراف رسميّ، بسببه الحقيقي. مثلاً: في حروب الأفيون في القرن التاسع عشر، تظاهرت بريطانيا وفرنسا، باهتمامهما بمبدأ التجارة الحرّة، واستخدمتا هذا المبدأ، كمبرّر لغزو الصين، على الرغم من أنّ الدولتين كانتا تمارسان التجارة الحرّة، حسب مصلحتهما الخاصّة فقط، وسبب الغزو كان مصلحة اقتصادية في فتح الصين.ـ وأصبح الدعم القائم على المصلحة المؤقتة، والتظاهر بأسباب الدعم، أحد أركان السياسة الخارجية لدى كل دول العالم، في العصر الحديث. وفي الوقت الراهن، هناك فرصة أمام الحكومات الخليجية؛ لتحقيق مكتسبات ملحوظة - عن طريق هذه السياسة - خلال الاجتماعات الدورية لمنظّمة «أوبك».ـ دون شكّ، يحتلّ النفط الصخري حيّزاً مهمّاً في مناقشات القمّم، وقد يتحدّث الأعضاء حول الوسائل الاقتصادية – تحديداً حروب الأسعار – المتاحة للتنافس مع المنتجين الأمريكيين؛ لأن النفط الصخري أصبح عائقاً أساسيّاً أمام تحقيق ارتفاع في أسعار النفط. فآبار النفط الصخري تتميّز بمرونة وسرعة التثبيت، ممّا يسمح لها أن تفعَّل وتغذّي السوق، حينما ترتفع الأسعار، وكذلك أن تخرج من السوق – بسرعة - في حالة تراجع الأسعار؛ وبالتالي يقلّ احتمال التقلّبات الحادّة، في أسعار النفط الدوليّة، التي تعوّد عليها المجتمع الدولي، خلال آخر أربعين سنة.ـ ولكن ليست الوسائل الاقتصادية التقليدية هي الوسائل الوحيدة المتاحة لمقاومة النفط الصخري. في أية صناعة جديدة - بعد مرور عدد من السنوات - تظهر تأثيرات، لم تكن متوقّعة، في وقت الإطلاق؛ نتيجة لقلّة خبرة المستخدمين. مثلاً، لم يعلم البشر عن التداعيات الصحيّة السلبيّة للتدخين إلا بعد مرور عقود من الزمن أو أكثر من استخدام السيجارة. وفي مجال النفط الصخري، اتضح لمدراء المشاريع أنّ هناك تداعيات بيئيّة سلبية كبيرة، تنقسم إلى قسمين: أولّاً: تسرّب المواد التي تُضَخ في الأرض، في المياه الجوفيّة؛ ممّا يتسبّب في تلوّثها؛ وثانياً: تزايد الزلازل في المناطق المجاورة للآبار؛ نتيجة للتفاعل بين المواد المُضخّة والصخور والفوالق الأرضيّة؛ ولذلك تشهد اليوم ولاية أوكلاهوما – وهي إحدى الولايات الرائدة في استخراج النفط الصخري – ارتفاعاً ملحوظاً في الهزّات الأرضيّة؛ حتّى أصبح الوضع مقلقاً.ـ وهناك نشطاء بيئيون أمريكيون يعملون على معارضة وتقليص حجم انتشار استخراج النفط الصخري. وقد حقّقت هذه الحركات المتواضعة إنجازات ملحوظة؛ إذ إنّها تمكّنت من إقناع المسؤولين في ولاية نيويورك بمنع التكسير الهيدرولوجي، وهو التقنيّة الرئيسة لاستخراج النفط الصخري. وبالإضافة إلى ذلك، تمكّنت منظّمات حماية البيئة من إقناع رئيس الجمهورية باراك أوباما، بعدم إقرار مشروع خطّ أنابيب «كيستون»؛ بسبب المخاطر البيئية المتعلّقة بالمشروع، على الرغم من المكتسبات الاقتصادية الكبيرة المتاحة لأمريكا في حالة قبولها به.ـ إذاً قد تبحث الدول الخليجية في دعم منظّمات حماية البيئة، التي لديها نفوذ ملحوظ في أمريكا. وفي ظلّ ضعف شعبيّة مرشّحي الحزب الجمهوري - وبالتالي التوقّع بفوز المرشّحة الديموقراطية المحتملة هيلاري كلينتون - من المتوقّع أن تستمرّ الحكومة الأمريكية في التعاطف مع القضايا البيئيّة. وتعاني منظّمات حماية البيئة من تمويل ضعيف، ومعارضة شديدة، من أصحاب المصلحة الأقوياء، ومنهم التجّار والشركات الكبرى. وعلى الرغم من هذه التحدّيات، حقّقت هذه المنظّمات إنجازات ملحوظة، وبالتالي قد يكون هناك مردود كبير للدول الخليجية - إن دعمتها - حتى ولو بمبالغ بسيطة، مثلاً عشرات الملايين من الدولارات. وإن استمرّ الحزب الديموقراطي في سيطرته على البيت الأبيض، واستمرّ تعاطفه مع الحركات البيئية، فلن تُتهَم الدول الخليجية بالتدخل في الشؤون الداخلية لأمريكا، أو بالتحريض؛ حيث إنّ الحكومة الأمريكية قد ترحّب، باهتمام الدول الخليجية، بدعم جهات تسعى للتصرّف بمسؤولية، حتى ولو يقوم هذا الاهتمام على تداخل مؤقّت في مصلحة الطرفين.ـ وفي حالة تقديم دعم لمثل هذه المنظّمات، يجب ألّا يكون هذا الدعم مطلقاً ودون شروط؛ فتسعى – حينئذٍ - منظّمات حماية البيئة لتحقيق أهداف تتناقض مع مصالح الدول الخليجية، ومن هذه الأهداف: تقليل استخدام النفط، والانتقال النهائي إلى الطاقة المتجدّدة. من أجل ذلك كلّه؛ ينبغي على الجهات المسؤولة أن تراقب الدعم الّذي تقدّمه بتفصيل، وألّا تخشى من فرض شروط محدّدة حول السياسات التي من المسموح دعمها، وتتماهى مع النمط المعترف به في السياسة الخارجيّة الحديثة.ـ
0 Comments
نُشر في صحيفة أخبار الخليج
بعد إجراء دراسات رصينة، وعقد مشاورات رسميّة مع كبار المسؤولين في القطاعات الخاصة والحكومية والتعليمية، أدرك مجلس التعليم العالي أن سوق العمل قد تغير بشكل جذري، حيث إن دور الخبرة التطبيقية تعزز ضمن قائمة العوامل التي يبحث عنها أصحاب الوظائف حينما يقيّمون المتقدمين للوظائف. وبناءً على ما سبق، اطلق مجلس التعليم العالي مشروعاً واعداً، وهو البرنامج الوطني للوظائف التدريبية.ـ وأتاح البرنامج للطلاب الحاليين فرصة لاكتساب مهارات ثمينة أصبحت جوهرية لمن يبحث عن وظيفة في الاقتصاد الحديث، على رأسها الخبرة التطبيقية في مجال مهم، ومهارات الكتابة وصياغة التقارير، والعمل الميداني، فضلاً عن مهارات «ناعمة» مفيدة في كل أنواع العمل، كالتصرف بمسؤولية واحترام، وبروح التعاون. وكذلك سيستفيد أصحاب الوظائف من البرنامج أساساً كوسيلة لتقييم الخريجين بدقة ولمنحهم مهارات تمهيدية تسهّل تأقلمهم في حالة توظيفهم بعد فترة التدريب. وبلغت مدة البرنامج 6 أسابيع، من منتصف شهر يوليو إلى بداية شهر سبتمبر.ـ ولا تمثل البحرين حالة خاصة من ناحية التغييرات الجذرية التي مرت بها سوق العمل، فشهدت كل الاقتصادات المتقدمة تغيراً شبيهاً يعود بالأساس إلى تزايد سرعة التطور التكنولوجي. وعلى سبيل المثال، اخترع المبتكر الإنجليزي توماس نيوكومن محرّك البخار في عام 1712، والذي أصبح رمز الثورة الصناعيّة، ولكن انتظر العالَم - بعد ذلك - ما يزيد على 50 سنة أخرى حتّى ظهرت النسخة الثانية، الّتي اخترعها المهندس الاسكتلندي جيمز وات. ومقارنةً بذلك، نَمَتْ قوّة الحاسب الآليّ - انطلاقاً من 1986 - بنسبة 50% سنويّاً! واليوم نرى نسخا جديدة من هواتف سامسونج وأبل كل ثلاثة أشهر!ـ وأثّر التطوّر التكنولوجيّ على سوق العمل، وعلى العلاقة بين الموظّف وصاحب الوظيفة منذ بداية الحضارة، وربّما أبرز مثال على ذلك هو استبدال البشر بالآلات، كما حصل في الثورة الصناعيّة من خلال استخدام أجهزة النسيج، وكما يحصل اليوم عبر الإنترنت والمتاجر الرقميّة التي قلّلت اعتمادنا على البائع التقليدي.ـ وفي العشرين سنة الأخيرة، في عصر العولمة وانتشار الإنترنت، أصبح التطوّر التكنولوجي يؤثّر على سوق العمل بطريقة جديدة، حيث خلقت سرعة التغييرات التقنيّة الحاجة إلى موظّف مرنٍ قادرٍ على التكيّف مع الأوضاع الجديدة، وهذا هو ما توصل إليه مجلس التعليم العالي من خلال مشاوراته مع أصحاب الوظائف. فعلى سبيل المثال في الخمسينيّات، كان الفنّي في مصنع «فورد» يلتحق بالشركة في سنّ مبكرة (حوالي 18 سنة)، ويقوم بنفس العمل في نفس المصنع لمدة 40 سنة قبل التقاعد النهائيّ. وفي العصر الراهن أصبح سير عملٍ مثل هذا حالةً نادرةً جدّاً؛ فالعامل الحديث يتنقّل من شركة إلى أخرى، ومن مهنةٍ إلى مهنةٍ غيرها؛ لأنّ مطالب سوق العمل تتغيّر بسرعة فائقة؛ نتيجةً للتطوّر التكنولوجيّ.ـ وبالإضافة إلى ذلك، ازداد مدى التخصّص للشركات؛ لأنّ أحدث التكنولوجيات تتطلّب معرفة دقيقة ومتخصّصة للغاية، وفتحت العولمة سوقاً لمن هو مستعدٌّ للاستثمار في المعلومات الفنيّة المطلوبة للتنافسيّة في الأسواق الدوليّة. فحينما صنعت شركة «بوينج» طائرتها الجديدة «787 دريملاينر»، اشتملت قائمة الشركات الفرعيّة الرئيسيّة (وليس الثانويّة!) للمشروع على ما يزيد على 350 وحدة، منها شركات مكرّسة لإنتاج بضاعة محدّدة متخصّصة.ـ ونتيجةً لهذه التغيّرات في البيئة التجاريّة، أصبحت الجامعات غير قادرة على تأهيل الطالب لوظيفة ما بشكل نهائيّ. وهذا لا يعني أنّها فقدت أهمّيّتها – بل إنّ دورها تعزّز، لا سيّما في بناء مهارات أساسيّة للطالب، لكنّ تعدُّد المجالات المتخصّصة في سوق العمل وسرعة تطوّرها يمنعان الجامعات من تنويع وتحديث مناهجها بالشكل المطلوب.ـ لذا؛ نرى أنّ الخبرة المهنيّة تحوّلت إلى أحد أهمّ عناصر السيرة الذاتيّة؛ لأنّ صاحب الوظيفة يعلم أنّ الحصول على المهارات المطلوبة للوظيفة يستحيل إلّا عن طريق الخبرة التطبيقيّة، التي لا يمكن نيلها في مؤسّسة تعليميّة. وتذكَر هذه المعلومة حينما تستفسر الحكومات من الشركات عن أسباب رفضهم للمتقدّمين للوظائف، كما حدث حينما قام مجلس التعليم العالي بمملكة البحرين بمسوحات تفصيليّة حول فجوات المهارات في سوق العمل.ـ وتشكّل ظاهرة «أهمّيّة الخبرة» أحد أهمّ أسباب إصرار مجلس التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم على إطلاق برنامجٍ وطنيٍّ للتدريب المهنيّ بالتعاون مع كلّ أصحاب المصلحة – الشركات، والطلبة، والجامعات، والخرّيجين، إلخ. فلا يمكن للبحرينيّ اليوم أن يعتمد على وظيفة حكوميّة كما كان في السبعينيّات والثمانينيّات؛ إذ ينبغي عليه تلبية احتياجات أصحاب الوظائف في القطاع الخاصّ وفق رؤية 2030. الوظائف التدريبيّة تمنح فرصة ثمينة للمتقدّم للعمل لبناء القدرات والمهارات المطلوبة في سوق العمل، والتي لا تقدّمها أيّة مؤسّسة تعليميّة، لكنها تقدم تحديات جديدة أيضاً، خصوصاً في مفهوم الراتب الذي يستحقه المتدرب. فمن المتوقّع أن يكون الراتب منخفضاً أو ربّما غير متوفّر في مثل هذه الوظائف، حيث إنّ أهمّ ما يحدّد راتب الموظّف، في سوق العمل عموماً، هو إنتاجيّته. ويتّصف المتدرّب بإنتاجيّة متدنّية، وتعتبر سالبة؛ بسبب الوقت الذي يفقده الموظّفون الآخرون في عمليّة تأهيل المتدرّب. وهناك من يرفض فرص الوظائف التدريبيّة؛ بسبب تواضع أو غياب الراتب، لكن - في الحقيقة - هذا هو الخسران بعينه؛ لأنّ الوظيفة التدريبيّة تعتبَر نوعاً من الخدمة التعليميّة.ـ ولماذا يخسّر أصحاب الوظائف مواردَ ثمينة على تدريب غير المؤهّلين؟ لأنّ الوظائف التدريبيّة أصبحت وسيلة فعّالة واقتصادية لتقييم قدرات ومهارات المتقدّم للعمل، لا سيّما في ظلّ قوانين العمل الحديثة. ففي أيّام الثورة الصناعيّة في القرن الثامن عشر، كان يحقّ لمدير المصنع أن يوظّف شخصاً ما، وأن يفصله في أيّ وقت، دون إنذار أو عبء ماليّ، ممّا قلّل أهمّيّة الوظيفة التدريبيّة. ولكن في العصر الراهن، تتحمّل الشركات التزامات ملحوظة حينما توظّف شخصاً ما، منها عدم فصله من غير سبب أو تعويض. ولذا أصبح من مصلحة الشركات أن تقيّم العمّال المحتملين بدقّة، قبل اتخاذ قرار نهائيّ حول التوظيف. وتشكّل الوظيفة التدريبيّة وسيلةً ممتازةً لتحقيق هذا الهدف.ـ وبشكلٍ عام، ليست الوظائف التدريبيّة «عبوديّة» حديثة، وليس من يعمل كمتدرّبٍ مضطهدٍ، أو محرومٍ من راتب قويّ؛ بسبب مؤامرة، بل تعكس الوظائف التدريبيّة استجابةً من الشركات لظروف جديدة في سوق العمل: (1) عزّز التطوّر التكنولوجيّ أهمّيّة الخبرة التطبيقيّة التي لا يمكن الحصول عليها في الجامعة، (2) كما ارتفعت الكلفة التي تتحمّلها الشركة حينما ترتكب خطأً في التوظيف؛ بسبب الحمايات العديدة التي تفرضها وزارة العمل على أصحاب الوظائف.ـ ونأمل أن يستفيد كلّ الأطراف من المشروع الواعد البرنامج الوطنيّ للوظائف التدريبية، والذي يشكل جزءاً من خطّة واسعةٍ؛ لمعالجة فجوات سوق العمل.ـ «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» (البقرة: 155) نُشر في صحيفة الوطن
في معظم الإمبراطوريات العظيمة التي سيطرت على العالم، كالرومان والفرنسيين والإنجليز، ارتكز الدور التنموي للحكومة على المجال العسكري بالأساس واحتلت الاعتبارات الاقتصادية مركزاً ثانوياً أو أقل في جدول مهام الزعماء.ـ ولكن أثبتت ألمانيا في القرن الـ19 أن الحكومة قادرة على إجراء ثورة اقتصادية دون الاعتماد على نفوذ عسكري أو سيطرة واسعة.ـ وربما كان أهم عناصر الخطة الألمانية هو التخطيط المركزي والتنسيق الواعي بين أعضاء الجهاز الحكومي، واستيعاب أن الازدهار الاقتصادي يقوم على جهود أطراف عدة وليس مجرد وزارة المالية أو التنمية.ـ وكرّرت وطوّرت دول عدة التجربة الألمانية كاليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا نفسها بعد تقسيمها في نهاية الحرب العالمية الثانية. التنسيق بين المؤسسات الحكومية ليس أمراً سهلاً ويعرقله تحديان. أولاً: التحدي المعلوماتي، على سبيل المثال ينبغي التنسيق بين وزارتي العمل والتعليم: فالأولى مسؤولة عن إيجاد فرص عمل والثانية مسؤولة عن خلق قوة قادرة على العمل.ـ وتحديداً ينبغي على وزارة العمل أن تجمع معلومات عن احتياجات أصحاب الوظائف وأن تبلغها إلى وزارة التعليم. وبالمقابل يتوجب على وزارة التعليم جمع معلومات عن المؤهلات التعليمية للقوة العاملة وأن توصلها إلى وزارة العمل. وعملية تبادل المعلومات بطريقة منتظمة تتطلب جهوداً كبيرة.ـ وثانياً: التضارب في المصالح، فحينما يوزّع رئيس الدولة مسؤوليات على الوزارات المختلفة لغرض تحقيق هدف جماعي، قد تعتبر إحدى الوزارات الهدف الجماعي مخالفاً لمصلحتها مما يسفر عن رفضها للتعاون مع الوزارات الأخرى.ـ وعلى سبيل المثال إذا رغب رئيس وزراء المملكة المتحدة ديفيد كامرون في تنمية قطاع الصناعة ربما يطلب من وزارة الكهرباء أن تضمن توفير طاقة بسعر مدعوم للقطاع الصناعي.ـ وستعارضه، في هذه الحالة، وزارة الكهرباء لأنها لا ترغب في تحمل كلفة الدعم. وسترفع وزارة البيئة أيضاً شكوى لأنها تعتبر المشروع مضراً للبيئة. وسترفض تنفيذ مشروع آخر تعبيراً عن اعتراضها!ـ ولربما وجدت أمثلة لتنسيق ناجح بين وزارات بحرينية ولكن لربما يقل التنسيق عما يوجد في الدول التي مرت بثورة اقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية دون الاعتماد على موارد طبيعية كتشيلي وتايوان.ـ إذاً ما هي التوصيات للبحرين التي يمكن الخروج بها إن درسنا الأمثلة الناجحة؟ هذا هو السؤال الذي وجهته لرئيس وكالة الحكومة السنغافورية للتنمية «فيليب يو» أثناء مؤتمر «التنمية والتنويع الاقتصادي ودور الحكومة» الذي عقده صندوق النقد الدولي في الكويت في نهاية أبريل 2014.ـ وردّ باقتراح بسيط مبني على سياسة حكومته لمواجهة هذا التحدي. تفرض سنغافورة على صناع قرارها ألا يستمر الفرد منهم في وزارة ما لمدة طويلة، فعليهم أن يتنقلوا دورياً بين الوزارات لسببين أساس الأول: تؤدي تلك السياسة لإيجاد جو تفاهم وليس تصادم بين الوزراء لأن كلاً منهم مر بظروف الآخرين والثاني: بما أن الحركة الدورية تطبق على الطبقة الفوقية فقط وليس على الإداريين العاديين، يجبر كل صانع قرار على فتح قناة اتصال مع موظفي كل مؤسسة حكومية يعمل فيها مما يسهل عملية التنسيق بين المؤسسات المختلفة. تحمل هذه السياسة طبعاً جانباً سلبياً وهو عرقلة عملية التخصص في مجال معين يعزز مخرجات صانع القرار تقليدياً نتيجة لتراكم الخبرة.ـ فمثلاً لابد أن امتياز شرطة دبي يعود جزئياً إلى بقاء قائد واحد كفؤ هو ضاحي خلفان لمدة 33 سنة، لكن الخطة السنغافورية تستحق التجربة على الأقل لأن تلك الدولة الصغيرة حققت معجزات اقتصادية لابد من الاستفادة منها.ـ مقابلة على أخبار تلفزيون البحرين حول الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في البحرين |
Omar Al-Ubaydli
This is where you can find all my articles, as well as some of my interviews and media mentions Archives
June 2020
Categories
All
|
Omar Al-Ubaydli
Bahrain Center for Strategic, International and Energy Studies PO Box 496, Manama Kingdom of Bahrain |
© COPYRIGHT 2015. ALL RIGHTS RESERVED.
|