نُشرت في صحيفة الحياة English version below اندلع أخيراً صراع شرس بين مرشحي رئاسة الجمهورية الأميركية، وانكشفت الفجوات الضخمة التي تفصل مؤيدي الحزب الديموقراطي عن مؤيدي الحزب الجمهوري، مثل سياسات الضرائب، وكيفية التعامل مع القطاع المالي، وحقوق ملكية الأسلحة النارية، وسياسات أميركا في الشرق الأوسط، وغيرها. وعلى رغم الاختلافات الكبيرة بين الناخبين حول طبيعة السياسات التي تعتبَر أخلاقية وفاعلة، ثمة مجال يتفق عليه اليساريون واليمينيون، وهو تقليل عدد الفرص المتاحة للأجانب للعمل والاستقرار في الولايات المتحدة، فحتى المرشح اليميني دونالد ترامب، والاشتراكي بيرني ساندرز، يعتبران العمالة الوافدة ظاهرة مضرّة بمصلحة المواطن الأميركي. وهذه تطورات غريبة لدولة أُسست على الهجرة، وتحوّلت إلى عملاق اقتصادي بسبب فتح أبوابها للعمالة الوافدة، كما نرى في أحد أبيات الشعر التي نُقشت على تمثال الحرية في عاصمة العالم الاقتصادية، مدينة نيويورك: «فليُرجَع إليَّ المتعبون والفقراء منكم». المزيد US presidential candidates have been battling fiercely of late, revealing huge gaps between Democrat and Republican supporters over issues such as taxation, financial sector regulation, firearms ownership laws, and US policy in the Middle East. Despite significant differences among the electorate over what constitute effective and morally desirable policies, one area of agreement among both left-wing and right-wing voters is the desire to diminish the opportunities for foreigners to work and settle in the US. In fact, even the para-fascist candidate, Donald Trump, and the traditional socialist, Bernie Sanders, share the view that migrant workers damage the interests of US citizens. This is a bizarre development for a country that was founded on immigration, and that transformed into an economic powerhouse by opening its doors to migrant workers, as recorded in one of the verses from the sonnet etched on the Statue of Liberty, in the world’s financial capital, New York: “Give me your tired, your poor.”
0 Comments
نُشر في حصيفة الحياة English version below في ظل سلسلة أزمات مرت بها دول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات العشر الأخيرة، تحوّلت نظرة الشعب البريطاني نحو المشروع الأوروبي من التقبّل إلى القلق، ما أجبر رئيس الوزراء ديفيد كامرون، على التعهّد بتنظيم استفتاء رسمي حول عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. وبعد مفاوضات معقّدة مع المفوّضية الأوروبية والأعضاء الآخرين، تمكّن كامرون من تشكيل عضوية خاصة لدولته، قد تقنع الشعب بعدم تأييد الخروج للاستفتاء المقبل في منتصف 2016. وبما أنّ مشروع أوروبا التكاملي يشكّل قالباً لِما تقوم به دول مجلس التعاون، تجب متابعة هذه المستجدّات الخطيرة، واستخلاص العبر منها تفادياً لتكرار الأخطاء ذاتها.ـ تقوم شكاوى الشعب البريطاني على مشكلتين محدّدتين. أولاً: الهجرة، فقوانين السوق المشتركة الأوروبية تتيح لكل مواطن أوروبي حرية الانتقال إلى أي دولة عضو، والاستقرار فيها. ولكون اللغة الإنكليزية هي اللغة الثانية المفضّلة، والأكثر انتشاراً لدى الأوروبيين، ونتيجة لتميّز مدينة لندن اقتصادياً، خصوصاً قطاعها المالي، فقد أصبحت المملكة المتحدة تجذب أعداداً كبيرة من الأوروبيين للعمل فيها، تقارب ما يزيد على ثلاثة ملايين. ما أزعج المواطنين البريطانيين لأسباب منها: اختلاف تقاليد هؤلاء عن تقاليدهم، وعدم رغبة الوافدين في الانسجام مع المجتمع البريطاني، والارتفاع الملحوظ في أسعار الأراضي والإيجارات في لندن.ـ ثانياً: على رغم أن القطاع الخاص البريطاني استفاد بقوة من التبادل التجاري والرأسمالي مع دول الاتحاد الأوروبي، إلاّ أنّ الشركات البريطانية ظلّت تعاني من الضوابط الأوروبية الموحّدة التي فُرضًت عليها، كشرطٍ للعضوية في السوق المشتركة. لذا، تتميّز بيئة العمل البريطانية تاريخياً، بمرونة وتحرّرٍ أكثر منها في الدول الأوروبية الأخرى، وهذا أحد أسباب ضآلة البطالة في بريطانيا، في وقت تعاني فرنسا وإيطاليا وإسبانيا من بطالة شديدة، مركّزة في فئة الشباب. فاضطر الاقتصاد البريطاني أن يتنازل تدريجاً عن هذه الأفضلية، لأنّه لا يمكن تفعيل سوق مشتركة من دون توحيد الضوابط التجارية.ـ وكانت هناك خيارات أمام دول الاتحاد حول سبل توحيد القوانين، في مرحلة عقد معاهدة ماستريخت، التي أطلقت السوق المشتركة في 1992. أولها التوحيد إلى الأسفل، الذي يعني إلغاء القوانين في الدول التي تتصف ببيئة عمل معقّدة قانونياً، وبالتالي اقترابها من الدول الأكثر تحرّراً. وثانيها التوحيد إلى الأعلى، حيث تضطر الدول المتحرّرة أن تتبنّى الضوابط المعقّدة الموجودة في الدول الأعضاء الأخرى. وسيطر التيار الثاني على الأول لأنّ الأجهزة البيروقراطية دائماً تسعى الى تعزيز نفوذها، وتتفادى أية سياسة قد تهمّش دورها في الاقتصاد، حتى أتى ذلك على حساب مصلحة المواطن العادي. وتحوّلت اليوم المفوضية الأوروبية إلى رمز للبيروقراطية المفرطة، المضرّة اقتصادياً، والمقاوِمة لأية محاولة لمحاسبتها.ـ وفي دول مجلس التعاون، لا خوف من مشكلة الهجرة، لأنّ الاقتصادات الخليجية مبنيّة على العمال الوافدين، اي أكثر من 70 في المئة من الأيدي العاملة. وتتميّز الدول الست بتجانس ثقافي وحضاري ولغوي، فضلاً عن علاقات قَبَلِيّة متينة عابرة للحدود. ولم تمرّ الشعوب الخليجية بحروب بشعة، كما حصل في أوروبا، لذا نجد أنّ المواطن الخليجي يرحّب بأخيه الخليجي ويحبّه، ويثق به.ـ ولكنّ قضية توحيد القوانين قد تؤدّي إلى صعوبات مستقبلية، إن لم تخطّط الدول الخليجية في شكل صحيح، لأنّ النموذج الاقتصادي الخليجي مبنيّ على الحرية الاقتصادية، والمرونة التجارية. ونتيجة لذلك، تحتل دول مجلس التعاون أعلى المرتبات في مؤشّرات الحرية الاقتصادية، كمؤشّر «معهد هيريتج»، ما أدّى إلى استقطاب كميات كبيرة من رأس المال الدولي، وخلق الاستثمار الخارجي وظائف عدّة في البحرين والإمارات وقطر، وازدادت أهمية هذا المحرّك الاقتصادي في ظلّ تراجع أسعار النفط.ـ لم تمنَح المؤسسات الخليجية المركزية حتى الآن، صلاحيات ملحوظة، وتحافظ كل دولة على سيادة شبه مطلقة في شؤونها الداخلية. وتسبّب ذلك في تعطيل عملية تفعيل السوق المشتركة الخليجية، حيث إنّ الجهات المركزية، كالأمانة العامة، غير قادرة على محاسبة من لا يلتزم بالقوانين الخليجية. وكان دور المؤسسات المركزية إيجابياً فقط، ولم تظهر إلى الآن التوجّهات السلبية التي برزت في نظيراتها الأوروبية.ـ وبدأت الحكومات الخليجية تستمع إلى شكاوى القطاعات الخاصة حول عدم تفعيل القرارات المركزية، لأنّ أصحاب القرار أدركوا أهمية الوظائف التي ستخلقها القطاعات الخاصة في المرحلة المقبلة، من التنمية الاقتصادية، ولكن يجب الحذر من أيّ جهاز بيروقراطي مركزي، قد تنشِئُه الجهات العليا لتفعيل السوق المشتركة والمشاريع التكاملية الأخرى، لأنّ الحرية الاقتصادية أحد أركان الازدهار الخليجي، بينما قد تبحث الأجهزة البيروقراطية الجديدة فرض قيود وإقرار قوانين، كوسيلة لترسيخ دورها، وليس بناءً على نظرة موضوعية للمصلحة العامة.ـ ويقدّم القطاع التعليمي الأميركي نموذجاً مصغّراً لمثل هذه الأخطار. فقد أصبحت الرسوم الجامعية في أميركا أرقاماً خياليّة، تفوق 40 ألف دولار سنوياً، ولا يغطّي هذا المبلغ كلفة الكتب، والإقامة، والوجبات ... ويعود ذلك إلى ارتفاع غير عقلاني في الكلفة الإدارية، حيث إنّ الأجهزة الإدارية البيروقراطية لدى الجامعات توسّعت، وتحوّلت من أقليّة صغيرة داعمة لكوادر الأساتذة، إلى أجهزة عملاقة تفرض مهمات ومسؤوليات على الأساتذة - لا تتعلّق برسالة الجامعة - منها المشاركة في ندوات تدريبية، وملء استمارات، وإعداد تقارير...، ممّا قلّص الوقت الذي يخصّصه الأستاذ للبحث والتعليم. وحصل ذلك لأنّ الأجهزة البيروقراطية تهدف إلى التوسّع بأية طريقة.ـ ويشتكي القطاع الخاص البريطاني من المشكلات ذاتها: قيود وقوانين وإجراءات تعيق الإبداع والديناميكية المطلوبة لتحقيق أرباح، وخلق وظائف. ونأمل في أن تستفيد دول مجلس التعاون من هذه التجربة، من طريق التخطيط الدقيق والسليم.ـ In light of a series of crises faced by the European Union (EU) during the last ten years, the UK citizenry’s view of the European project has morphed from acceptance to concern, forcing Prime Minister David Cameron to commit to holding a referendum over the UK’s membership of the EU. After a set of complicated negotiations with the European Commission and the remaining members, Cameron succeeded in forging a special form of membership for his country, and it could be enough to ensure that his constituents reject the option to exit in the vote scheduled for the middle of 2016. Given that the European integration project has been operating as a de facto template for what the Gulf Cooperation Council (GCC) countries are undertaking, it serves their interests to monitor developments with an eye to drawing lessons on how to avoid the EU’s mistakes.
UK citizens have two primary complaints. The first is migration: European single market rules guarantee EU citizens the right to travel and reside in any member country. The English language is the preferred second language among EU citizens, and is also the most prevalent one; moreover, London is attractive in terms of the economic opportunities it offers, especially in the financial sector. As a result, the UK has attracted large numbers of EU citizens (in excess of 3 million), much to the chagrin of UK citizens, due to the differences in customs between the migrants and the UK people, as well as the apparent unwillingness of many of the former to integrate into traditional UK society. Further, the surging inflows have created significant upward pressure on land prices and rents in London. The second complaint concerns regulations. Despite the fact that the UK private sector has benefitted significantly from trade with the EU and capital flows, UK firms have been unhappy with the harmonized EU regulations imposed upon them as a condition of membership in the single market. The UK business environment has historically been more flexible and liberal than its EU counterparts, and that is one of the reasons for the UK’s relatively low unemployment levels, especially when compared to France, Spain, and Italy, which are suffering from high unemployment concentrated in the youth category. Proper functioning of single markets requires harmonized regulations, and so the UK economy has had to gradually surrender its positive attributes in this regard. The EU countries had a choice on how to harmonize their regulations at the time of the Maastricht Treaty, which came at the eve of the Single Market in 1992. They could have harmonized down, meaning deregulation in the countries with highly regulated business environments as they mimic the legal setups of the more flexible economies. Alternatively, they could have harmonized up, meaning deliberalization in the liberalized economies as they emulate the highly regulated ones. Support for the latter option prevailed, primarily because bureaucracies always look for ways to expand their influence, and they avoid any policy that might limit their role in the economy, even if such propensities come at the expense of the interests of ordinary citizens. Today, the European Commission has become a symbol of unchecked, economically harmful bureaucracy that is resistant to any efforts at holding it accountable. In the GCC, the migration issue is not a concern since the GCC economies are built upon foreign workers, which represent more than 70% of the labor force. The six countries are also culturally and linguistically highly homogenous, and there are strong cross-border tribal bonds. The Gulf peoples did not experience any analogue to the horrific wars of Europe, and thus we find that Gulf citizens welcome and trust their Gulf bretheren. The issue of harmonizing regulations, however, could be a cause for concern in the future in the event that the GCC countries fail to plan wisely. The GCC economic model is based on economic freedom and commercial flexibility. As a result, the GCC countries occupy some of the highest positions in economic freedom indices, such as the Heritage Foundation index, and this has played an important role in attracting huge volumes of international capital, thereby creating numerous jobs in Bahrain, Qatar, and the UAE. Foreign investment is currently even more significant to the economy in light of the fall in oil prices. The central GCC institutions are yet to be endowed with significant powers, and each member state retains nearly absolute sovereignty regarding its internal affairs. This has resulted in delays to a complete roll out of the GCC single market as centralized institutions, such as the Secretariat General, are unable to hold accountable organizations and individuals that fail to comply with GCC rules. The GCC central bodies have thus far been exclusively benign, and are yet to exhibit some of the negative tendencies seen in their EU analogues. The GCC governments have recently started to listen to the private sector’s complaints regarding the malfunctioning of the single market, because policymakers now appreciate the importance of the job opportunities that the private sectors will create in the coming period. However, policymakers must be vigilant in their oversight of any centralized bureaucracy that may be established and commissioned with the task of rehabilitating the single market and other economic integration projects. Economic freedom is central to GCC prosperity; in contrast, new bureaucracies will look to impose new laws and regulations as a means of securing their influence, and without objectively accounting for the general interest. The US education sector offers a microcosm of these risks. College tuition fees have become astronomical, exceeding $40,000 annually, and that figure excludes textbooks, lodging, meals, and so on. A key reason has been reckless increases in administrative costs, as university bureaucracies have mutated from marginal entities that support the faculty, to behemoths that saddle professors with tasks and responsibilities unrelated to the university’s original mission, such as taking part in training workshops, completing forms, preparing reports, and so on. Bureaucracies’ steadfast commitment to expansion at all costs have resulted in the diminution of the time that professors can allocate to research and teaching. The UK private sector is complaining about the same thing: restrictions, regulations, and procedures that stifle the creativity and dynamism necessary for the realization of profits, and the creation of jobs. With diligent planning, one hopes that the GCC countries can benefit from this experiment and avoid committing the same errors. Article: "Industrial Development After the Digital Revolution" (التنمية الصناعية بعد الثورة الرقمية)7/6/2014 نُشر في صحيفة الوطن
إلى أي مدى ينبغي على الحكومة أن تساهم في عملية إنشاء صناعة ناجحة؟ تجادل الاقتصاديون حول الإجابة الصحيحة لهذا السؤال منذ أيام «آدم سميث» في القرن الثامن عشر ولم يتّفقوا إلى الآن. ولكن كل جيل يطرح أفكاراً جديدة ويمرّ بخبرة فريدة تغيّر المعادلة. وبسبب أهمية التنمية الصناعية للازدهار الاقتصادي عموماً، تولى صندوق النقد الدولي مسؤولية متابعة أحدث النظريات وتحليل أجدّ التجارب الدولية في المجال. وإذاً فأثناء مشاركتي في مؤتمر «التنمية والتنويع الاقتصادي ودور الحكومة» الذي عقده صندوق النقد الدولي في الكويت في نهاية أبريل 2014، اغتنمت الفرصة لتوجيه سؤالي أعلاه لنائب المدير التنفيذي للصندوق، الاقتصادي الصيني مين زهــو. وقبــــل أن أعرض رده المثيــــر للاهتمام، من المفيد تلخيص بعض آراء عامة حول الموضـوع.ـ حســب النظرة الكلاسيكيــة، تقـوم أفضل بيئة اقتصادية على عنصرين؛ أولاً: حماية حقوق الملكية، وذلك للضمان لمشاركـــــي الســـوق أن مكتسباتهـم لن تنهــب وبالتالـي تحفيزهم على عمل مفيد. وثانياً: خلق مجال للتنافس، للتأكيد بأن تحقيق أرباح في السوق يعتمد دائماً على توفير بضائع وخدمات مرغوب فيها. وتحت هذه الظروف، يفترَض أن ليس هناك دور للحكومة في إنشاء صناعات ناجحة خارج إطار العنصرين المذكورين. والسبب الأساس هو أنه مهما كانت رغبة الحكومة قوية على اكتشاف مشروع ناجح وإطلاقه، فلن تتجاوز قوة رغبة الرأسماليين الحالمين بالأرباح والخائفين من الإفلاس.ـ اسألْ نفسك التالي: في 2004، لمذا اخترع «مارك زوكربيرج» التطبيق الواعد «فيس بوك» ولم تخترعه الحكومة الأمريكية؟ وفي 2007، هل تميزت أية مؤسسة حكومية بنفس المعرفة والرغبة لاختراع جهاز الـ «آي فون» التي تميّز بها المبتكر «ستيف جوبز»؟ وحقيقة الأمر أنه تكاد أن تكون كل الاختراعات والابتكارات الناجحة تجارياً في العصر الحديث نبعت من جهود رأسماليين تستحثهم الأرباح إن نجحوا ويهددهم الإفلاس إن أخفقوا. وأثبت بيروقراطيو الحكومات تاريخياً أنهم من أسوأ أصحاب الأفكار التجارية لأن حالتهم المادية لا تتغير مهما كان الإقبال على مشروعهم.ـ إذاً لماذا لم يتفق الاقتصاديون حول مدى دور الحكومة في إطلاق المشاريع التجارية؟ أول سبب هو التداخل بين المصلحتين التجارية والأمنية في بعض المشاريع الحساسة. وعلى سبيل المثال كان المحرك الرئيس لابتكار شبكة الإنترنت وزارة الدفاع الأمريكية ولغرض أمني، حتى لو صدف وولدت استخدامات تجارية رائعة ولكنها انبثقت كناتج جانبي.ـ ولا تزال حكومة الاتحاد الأوروبي تواصـــل التدخـــــل فــي القطاع الزراعــــي الأوروبـــــي رغــــم بـروز تأثيرات سلبية لسياساتها (كتزايد الأسعار واستخدامات غير فعّالـــة للأراضـــي).ـ ويعود ذلك أساساً لإصرار الحكومة على الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الغذائي لأسباب أمنية.وربما يبرّر هذا الدافع اهتمام الحكومة الإماراتية بإنتاج الأسلحة محلياً مؤخراً.ـ ولكن لا ينطبق السبب الأول في الغالبية الساحقة من المشاريع التجارية تنيجة لغياب أية اعتبارات أمنية. ولكن طرح الاقتصاديون سبباً ثانياً أُطلق عليه لقب «الصناعة الجنينيـة» (infant industry) لأنـــه يستدعي احتضان الحكومة لمشروع تجاري جديد لفترة تأسيسية وحمايته من مخاطر السوق.وهذا يخالف مبدأ التنافس الفوري والدائم الذي يؤيدونه الرأسماليون وثقتهم بقدرة الأسواق الحرة على تحديد المشاريع الناجحة. ولكن بالواقع، الإيمان بقدرةالأسوق الحرةعلى توزيع المواردبطريقة فعّالة، خصوصاً في مجال المشاريع الريادية، يعتمدعلى نضوج أسواق الرأسمال. وهذايعني الاستيفاء بالشرطين الذي ذكرناهما أعلاه: حماية حقوق الملكية ووجود تنافس.تعاني أسواق الرأسمال في الاقتصادات الناميةعادة، من فساد واحتكار القلة ممّا يعرقل آلية السوق الطبيعية. وتفتح هذه الحالة مجالا للحكومة أن تحتل دور المخاطر الرئيس (lead venture capitalist)، وهذا ما شهدناه في كوريا الجنوبية واليابان وغيرها في القرن العشرين.ـ وبالعودة لما سبق: ماذا كان رد نائب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي على سؤالي؟ طبعاً بدأ رده بمناورة دبلوماسية تقليدية: «سؤالك مهم والمسألة معقدة للغاية». أشار إلى تطوّر حديث قد يؤثر على المعادلة بشكل ملحوظ. في بداية الثورة الصناعية، كانت الدورة الإنتاجية (product cycle) تمتد لسنوات إذا لم تكن لعقود. وعلى سبيل المثال، اختُرعت آلة النسيج «مغزل جيني» (spinning Jenny) في 1764 وحُدثت بعد مرور 15 سنة في نسخة «مغزل البغْل» (spinning mule). ولكن في العصر الحديث، نتيجة للتطور التكنوليجي والتراكم في المعرفة العلمية البشرية، ينزل جيل جديد من الجوالات كل ثلاثة أشهر! ويصعّب تقاصر الدورة الإنتاجية مساهمة الدولـة لأن الجهاز الحكومي بطــيء وغير مرن لأسباب شتّى، وعلى رأسها قيود مفروضة لحماية المواطنين من استغـلال السياسيين لصلاحياتهـــم. وبالتالي يرى نائب المدير زهو أن أحدث التطورات تدفعنا لتقليص تأييدنا للتدخل الحكومي في ريادة الأعمال، حتى وإن وُجدت حالات خاصة تستدعي دور حكومي مثلاً لأسباب أمنية.ـ وفــي الخاتمـــة أشـــد انتباه القـــارئ إلى سؤال جوهري يجب أن يسأله نفسه: حينما يطالب المرء بالتدخل الحكومي في مشروع تجاري: إذا كان هذا المشروع واعداً فعلاً، فلماذا لم يتقدم رأسماليون خاصون لتمويله؟ وإن صادف وكنت تعتبر الرأسماليين مجرد بشر يرتكبون أخطاء كالآخرين، فمــــا الضامـــن أن البيروقراطييــــن الحكوميين لن يقعوا أيضاً بأخطاء مماثلة؟ ومن يمتلك أقوى حافز لتجنب الأخطاء واتخاذ القرار الصحيح؟ Article: "The Perils of Superficially Analyzing Productivity"(إغواء التحليل السطحي للإنتاجية)2/6/2011 نشر في صحيفة أخبار الخليج
الإنتاجية هي معدل إنتاج العامل الفرد. فرضا، إذا أنتجت شركة ما منتجا قيمته 100 دولار باستخدام خمسة عمال فالإنتاجية هي 20 دولارا للعامل الواحد. وإن قسمناها بشكل عام على مستوى البلد، تعكس الإنتاجية التقدم التكنولوجي. وإذا نظرنا إلى إحصائيات هيئة تنظيم سوق العمل البحرينية فسنرى انخفاضاً في الإنتاجية لا يقل عن 2% سنويا في آخر 5 سنوات، واتسع توظيف الأجانب بما يزيد على 10% سنويا في نفس الفترة، وتجاوز الأجانب المواطنين البحرينيين.ـ فمن الطبيعي أن نقلق وأن نبحث في دور العمال الأجانب غير المهرة في انخفاض الإنتاجية. لكن يصبح استيعاب التغيير في الإنتاجية معقدا أكثر إن كان ما يدفع إلى ذلك هو تغيير في عدد وتكوين العمال وليس في إمكانيات عمال محددين ثابتين. سأستخدم نماذج في هذا المقال لتفسير هذه المسألة.ـ لنأخذ بلدين كمثال: البحرين والهند. ولنبسِّط التصور بافتراض أن عدد سكان البحرين 10 أشخاص فقط والهند 20 شخصاً. يعمل العمال البحرينيون بالقطاع المالي فينتج العامل الواحد وحدات خدمات مالية ويبيعها في السوق الدولي بسعر 20 دولارا للوحدة. ويتمكن العامل المنفرد من تقديم 5 وحدات خدمات يوميا وعليه فالإنتاجية البحرينية تساوي 100 دولار للعامل يوميا.ـ أما في الهند، فيشتغل العمال في القطاع الزراعي كفلاحين والإنتاجية اليومية هي 40 دولارا للعامل. وإذا أردنا أن نقيس الإنتاجية الإجمالية (على مستوى البلدين) فهي تساوي 60 دولارا يومياً للعامل (لأن عدد سكان الهند ضعف عدد سكان البحرين).ـ إن كانت الهجرة ممنوعة واكتشفت المصارف البحرينية فجأة تقنيات متطورة تسمح لكل عامل أن ينتج 6 وحدات خدمات يوميا، فسترتفع إنتاجية البحرين من 100 إلى 120 دولارا يوميا للعامل. أما إذا أمرت الحكومة بإجراءات بيروقراطية بأن تأخذ من كل عامل خُمسا من وقته فستتراجع الإنتاجية من 100 إلى 80 دولارا يوميا للعامل. وخلاصة المثالين أن التغير في الإنتاجية يعكس تماما تغيراً في مستوى المعيشة. ولهذا السبب يفرح الإداريون الاقتصاديون حينما تتصاعد الإنتاجية وبالمقابل يُستفزون إن انخفضت.ـ إن سمحنا بالهجرة الواسعة فستتعقد الأمور وينكسر الارتباط المباشر البسيط بين الإنتاجية ومستوى المعيشة، حيث ان من الممكن أن تنخفض الإنتاجية حينما يزدهر مستوى المعيشة! فكيف يمكن ذلك؟ وفي حدود المثال نفسه، فليتصور المرء هجرة 10 من سكان الهند إلى البحرين لكي يعملوا مساعدين في القطاع المالي، كلٌ منهم تحت إشراف أحد البحرينيين من الخبراء بالخدمات المالية. ويتمكن كل عامل بحريني أن يركز جهده على المهمات التي تتطلب المهارات العليا ويحول المهمات البسيطة إلى مساعده الهندي، فيرتفع انتاج البحريني من 5 إلى 9 وحدات خدمات يوميا، وكذا إيراداته اليومية من 100 دولار إلى 180 دولارا. يستوجب طبعا على المدير البحريني أن يدفع راتباً إلى موظفه الهندي، لا يقل عن 40 دولارا ليضمن انعدام رغبة الهندي في العودة إلى الزراعة في بلاده الأم، فيقدم مثلا مرتب 50 دولارا وما يبقى من الـ 180 دولارا، وهو 130 دولارا، يعود إلى البحريني.ـ وباختصار وبنتيجة الهجرة (وتضاعف عدد سكان البحرين):ـ كسب كل بحريني 30 دولارا يوميا كسب كل من المهاجرين الهنود 10 دولارات يوميا ارتفع مستوى معيشة المجموعتين (الهنود العشرة الذين لم يغادروا بلادهم لم يتأثروا). وأيضا تطورت التكنولوجيا في البحرين، فسمحت الهجرة للتخصص الأعمق وهو أساس الازدهار الاقتصادي كما أكد لنا الاقتصادي آدم سميث.ـ ماذا حصل للإنتاجية البحرينية؟ انخفضت من 100 إلى 90 دولارا يوميا للعامل (180 دولارا مقسما على عاملين)! هل هذا يتطلب رد فعل من سكان البحرين لكي يحموا مستوى معيشتهم؟ كلا فقد استفادوا، ولمن يهتم بمصلحة المهاجرين الهنود فقد استفادوا هم أيضا. ربما يبدو المثال كلغز أو خدعة لكنه مثل شريف وصحيح. وكما فسرت سابقا، فالنقطة الجوهرية هي إدراك ما يدفع إلى التغيير في الإنتاجية. إن كان العمال محددين وثابتين، فبشكل عام لن ترتفع الإنتاجية من دون تحسن في مستوى المعيشة. لكن إن تغير عدد العمال وجاء القادمون من مجموعة ذات إنتاجية أدنى فهناك مجال للمزاوجة بين انخفاض في الإنتاجية وارتفاع في مستوى المعيشة. ومن ناحية نظرية إحصائية، فهذه الظاهرة معروفة، وتعرف بـ "ظاهرة ويل روجرز".ـ وبالطبع فالمثال السابق مبسط وكان بالإمكان بناء مثال يعكس علاقة حدسية بين الإنتاجية ومستوى المعيشة. فاهتمامي الأساسي كان دفع القارئ إلى الحذر وعدم الانفعال عند تحليل تأثيرات التحركات في الإنتاجية، وبتذكيره بأن التغيرات في مستوى المعيشة أهم من تغيرات الإنتاجية. فقد مر المجتمع وسوق العمل البحريني بتغييرات كبيرة على مدى آخر 10 سنوات نتيجة الهجرة وعلينا كشعب أن نفهم ما سببته وكيف سببته قبل أن نتخذ قرار حول سياستنا المتجاوبة.ـ طبعا ليس الأفق الاقتصادي هو الوحيد الذي يحمل وزناً في سياساتنا فهناك نواح أخرى مهمة، منها فرض التأثيرات على النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية وهكذا. لكن ليس هذا عذرا للاعتماد على تحليل اقتصادي غير سليم: إن رغبت أن تفهم تحركات الإنتاجية في ظل وجود هجرة كبيرة، يجب التدقيق والتحقيق في مستوى المعيشة بطريقة مباشرة قبل الوصول إلى استنتاج حول الفوائد والمضارـ. |
Omar Al-Ubaydli
This is where you can find all my articles, as well as some of my interviews and media mentions Archives
June 2020
Categories
All
|
Omar Al-Ubaydli
Bahrain Center for Strategic, International and Energy Studies PO Box 496, Manama Kingdom of Bahrain |
© COPYRIGHT 2015. ALL RIGHTS RESERVED.
|