Article: "Industrial Development After the Digital Revolution" (التنمية الصناعية بعد الثورة الرقمية)7/6/2014 نُشر في صحيفة الوطن
إلى أي مدى ينبغي على الحكومة أن تساهم في عملية إنشاء صناعة ناجحة؟ تجادل الاقتصاديون حول الإجابة الصحيحة لهذا السؤال منذ أيام «آدم سميث» في القرن الثامن عشر ولم يتّفقوا إلى الآن. ولكن كل جيل يطرح أفكاراً جديدة ويمرّ بخبرة فريدة تغيّر المعادلة. وبسبب أهمية التنمية الصناعية للازدهار الاقتصادي عموماً، تولى صندوق النقد الدولي مسؤولية متابعة أحدث النظريات وتحليل أجدّ التجارب الدولية في المجال. وإذاً فأثناء مشاركتي في مؤتمر «التنمية والتنويع الاقتصادي ودور الحكومة» الذي عقده صندوق النقد الدولي في الكويت في نهاية أبريل 2014، اغتنمت الفرصة لتوجيه سؤالي أعلاه لنائب المدير التنفيذي للصندوق، الاقتصادي الصيني مين زهــو. وقبــــل أن أعرض رده المثيــــر للاهتمام، من المفيد تلخيص بعض آراء عامة حول الموضـوع.ـ حســب النظرة الكلاسيكيــة، تقـوم أفضل بيئة اقتصادية على عنصرين؛ أولاً: حماية حقوق الملكية، وذلك للضمان لمشاركـــــي الســـوق أن مكتسباتهـم لن تنهــب وبالتالـي تحفيزهم على عمل مفيد. وثانياً: خلق مجال للتنافس، للتأكيد بأن تحقيق أرباح في السوق يعتمد دائماً على توفير بضائع وخدمات مرغوب فيها. وتحت هذه الظروف، يفترَض أن ليس هناك دور للحكومة في إنشاء صناعات ناجحة خارج إطار العنصرين المذكورين. والسبب الأساس هو أنه مهما كانت رغبة الحكومة قوية على اكتشاف مشروع ناجح وإطلاقه، فلن تتجاوز قوة رغبة الرأسماليين الحالمين بالأرباح والخائفين من الإفلاس.ـ اسألْ نفسك التالي: في 2004، لمذا اخترع «مارك زوكربيرج» التطبيق الواعد «فيس بوك» ولم تخترعه الحكومة الأمريكية؟ وفي 2007، هل تميزت أية مؤسسة حكومية بنفس المعرفة والرغبة لاختراع جهاز الـ «آي فون» التي تميّز بها المبتكر «ستيف جوبز»؟ وحقيقة الأمر أنه تكاد أن تكون كل الاختراعات والابتكارات الناجحة تجارياً في العصر الحديث نبعت من جهود رأسماليين تستحثهم الأرباح إن نجحوا ويهددهم الإفلاس إن أخفقوا. وأثبت بيروقراطيو الحكومات تاريخياً أنهم من أسوأ أصحاب الأفكار التجارية لأن حالتهم المادية لا تتغير مهما كان الإقبال على مشروعهم.ـ إذاً لماذا لم يتفق الاقتصاديون حول مدى دور الحكومة في إطلاق المشاريع التجارية؟ أول سبب هو التداخل بين المصلحتين التجارية والأمنية في بعض المشاريع الحساسة. وعلى سبيل المثال كان المحرك الرئيس لابتكار شبكة الإنترنت وزارة الدفاع الأمريكية ولغرض أمني، حتى لو صدف وولدت استخدامات تجارية رائعة ولكنها انبثقت كناتج جانبي.ـ ولا تزال حكومة الاتحاد الأوروبي تواصـــل التدخـــــل فــي القطاع الزراعــــي الأوروبـــــي رغــــم بـروز تأثيرات سلبية لسياساتها (كتزايد الأسعار واستخدامات غير فعّالـــة للأراضـــي).ـ ويعود ذلك أساساً لإصرار الحكومة على الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الغذائي لأسباب أمنية.وربما يبرّر هذا الدافع اهتمام الحكومة الإماراتية بإنتاج الأسلحة محلياً مؤخراً.ـ ولكن لا ينطبق السبب الأول في الغالبية الساحقة من المشاريع التجارية تنيجة لغياب أية اعتبارات أمنية. ولكن طرح الاقتصاديون سبباً ثانياً أُطلق عليه لقب «الصناعة الجنينيـة» (infant industry) لأنـــه يستدعي احتضان الحكومة لمشروع تجاري جديد لفترة تأسيسية وحمايته من مخاطر السوق.وهذا يخالف مبدأ التنافس الفوري والدائم الذي يؤيدونه الرأسماليون وثقتهم بقدرة الأسواق الحرة على تحديد المشاريع الناجحة. ولكن بالواقع، الإيمان بقدرةالأسوق الحرةعلى توزيع المواردبطريقة فعّالة، خصوصاً في مجال المشاريع الريادية، يعتمدعلى نضوج أسواق الرأسمال. وهذايعني الاستيفاء بالشرطين الذي ذكرناهما أعلاه: حماية حقوق الملكية ووجود تنافس.تعاني أسواق الرأسمال في الاقتصادات الناميةعادة، من فساد واحتكار القلة ممّا يعرقل آلية السوق الطبيعية. وتفتح هذه الحالة مجالا للحكومة أن تحتل دور المخاطر الرئيس (lead venture capitalist)، وهذا ما شهدناه في كوريا الجنوبية واليابان وغيرها في القرن العشرين.ـ وبالعودة لما سبق: ماذا كان رد نائب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي على سؤالي؟ طبعاً بدأ رده بمناورة دبلوماسية تقليدية: «سؤالك مهم والمسألة معقدة للغاية». أشار إلى تطوّر حديث قد يؤثر على المعادلة بشكل ملحوظ. في بداية الثورة الصناعية، كانت الدورة الإنتاجية (product cycle) تمتد لسنوات إذا لم تكن لعقود. وعلى سبيل المثال، اختُرعت آلة النسيج «مغزل جيني» (spinning Jenny) في 1764 وحُدثت بعد مرور 15 سنة في نسخة «مغزل البغْل» (spinning mule). ولكن في العصر الحديث، نتيجة للتطور التكنوليجي والتراكم في المعرفة العلمية البشرية، ينزل جيل جديد من الجوالات كل ثلاثة أشهر! ويصعّب تقاصر الدورة الإنتاجية مساهمة الدولـة لأن الجهاز الحكومي بطــيء وغير مرن لأسباب شتّى، وعلى رأسها قيود مفروضة لحماية المواطنين من استغـلال السياسيين لصلاحياتهـــم. وبالتالي يرى نائب المدير زهو أن أحدث التطورات تدفعنا لتقليص تأييدنا للتدخل الحكومي في ريادة الأعمال، حتى وإن وُجدت حالات خاصة تستدعي دور حكومي مثلاً لأسباب أمنية.ـ وفــي الخاتمـــة أشـــد انتباه القـــارئ إلى سؤال جوهري يجب أن يسأله نفسه: حينما يطالب المرء بالتدخل الحكومي في مشروع تجاري: إذا كان هذا المشروع واعداً فعلاً، فلماذا لم يتقدم رأسماليون خاصون لتمويله؟ وإن صادف وكنت تعتبر الرأسماليين مجرد بشر يرتكبون أخطاء كالآخرين، فمــــا الضامـــن أن البيروقراطييــــن الحكوميين لن يقعوا أيضاً بأخطاء مماثلة؟ ومن يمتلك أقوى حافز لتجنب الأخطاء واتخاذ القرار الصحيح؟
0 Comments
Article: "The Perils of Superficially Analyzing Productivity"(إغواء التحليل السطحي للإنتاجية)2/6/2011 نشر في صحيفة أخبار الخليج
الإنتاجية هي معدل إنتاج العامل الفرد. فرضا، إذا أنتجت شركة ما منتجا قيمته 100 دولار باستخدام خمسة عمال فالإنتاجية هي 20 دولارا للعامل الواحد. وإن قسمناها بشكل عام على مستوى البلد، تعكس الإنتاجية التقدم التكنولوجي. وإذا نظرنا إلى إحصائيات هيئة تنظيم سوق العمل البحرينية فسنرى انخفاضاً في الإنتاجية لا يقل عن 2% سنويا في آخر 5 سنوات، واتسع توظيف الأجانب بما يزيد على 10% سنويا في نفس الفترة، وتجاوز الأجانب المواطنين البحرينيين.ـ فمن الطبيعي أن نقلق وأن نبحث في دور العمال الأجانب غير المهرة في انخفاض الإنتاجية. لكن يصبح استيعاب التغيير في الإنتاجية معقدا أكثر إن كان ما يدفع إلى ذلك هو تغيير في عدد وتكوين العمال وليس في إمكانيات عمال محددين ثابتين. سأستخدم نماذج في هذا المقال لتفسير هذه المسألة.ـ لنأخذ بلدين كمثال: البحرين والهند. ولنبسِّط التصور بافتراض أن عدد سكان البحرين 10 أشخاص فقط والهند 20 شخصاً. يعمل العمال البحرينيون بالقطاع المالي فينتج العامل الواحد وحدات خدمات مالية ويبيعها في السوق الدولي بسعر 20 دولارا للوحدة. ويتمكن العامل المنفرد من تقديم 5 وحدات خدمات يوميا وعليه فالإنتاجية البحرينية تساوي 100 دولار للعامل يوميا.ـ أما في الهند، فيشتغل العمال في القطاع الزراعي كفلاحين والإنتاجية اليومية هي 40 دولارا للعامل. وإذا أردنا أن نقيس الإنتاجية الإجمالية (على مستوى البلدين) فهي تساوي 60 دولارا يومياً للعامل (لأن عدد سكان الهند ضعف عدد سكان البحرين).ـ إن كانت الهجرة ممنوعة واكتشفت المصارف البحرينية فجأة تقنيات متطورة تسمح لكل عامل أن ينتج 6 وحدات خدمات يوميا، فسترتفع إنتاجية البحرين من 100 إلى 120 دولارا يوميا للعامل. أما إذا أمرت الحكومة بإجراءات بيروقراطية بأن تأخذ من كل عامل خُمسا من وقته فستتراجع الإنتاجية من 100 إلى 80 دولارا يوميا للعامل. وخلاصة المثالين أن التغير في الإنتاجية يعكس تماما تغيراً في مستوى المعيشة. ولهذا السبب يفرح الإداريون الاقتصاديون حينما تتصاعد الإنتاجية وبالمقابل يُستفزون إن انخفضت.ـ إن سمحنا بالهجرة الواسعة فستتعقد الأمور وينكسر الارتباط المباشر البسيط بين الإنتاجية ومستوى المعيشة، حيث ان من الممكن أن تنخفض الإنتاجية حينما يزدهر مستوى المعيشة! فكيف يمكن ذلك؟ وفي حدود المثال نفسه، فليتصور المرء هجرة 10 من سكان الهند إلى البحرين لكي يعملوا مساعدين في القطاع المالي، كلٌ منهم تحت إشراف أحد البحرينيين من الخبراء بالخدمات المالية. ويتمكن كل عامل بحريني أن يركز جهده على المهمات التي تتطلب المهارات العليا ويحول المهمات البسيطة إلى مساعده الهندي، فيرتفع انتاج البحريني من 5 إلى 9 وحدات خدمات يوميا، وكذا إيراداته اليومية من 100 دولار إلى 180 دولارا. يستوجب طبعا على المدير البحريني أن يدفع راتباً إلى موظفه الهندي، لا يقل عن 40 دولارا ليضمن انعدام رغبة الهندي في العودة إلى الزراعة في بلاده الأم، فيقدم مثلا مرتب 50 دولارا وما يبقى من الـ 180 دولارا، وهو 130 دولارا، يعود إلى البحريني.ـ وباختصار وبنتيجة الهجرة (وتضاعف عدد سكان البحرين):ـ كسب كل بحريني 30 دولارا يوميا كسب كل من المهاجرين الهنود 10 دولارات يوميا ارتفع مستوى معيشة المجموعتين (الهنود العشرة الذين لم يغادروا بلادهم لم يتأثروا). وأيضا تطورت التكنولوجيا في البحرين، فسمحت الهجرة للتخصص الأعمق وهو أساس الازدهار الاقتصادي كما أكد لنا الاقتصادي آدم سميث.ـ ماذا حصل للإنتاجية البحرينية؟ انخفضت من 100 إلى 90 دولارا يوميا للعامل (180 دولارا مقسما على عاملين)! هل هذا يتطلب رد فعل من سكان البحرين لكي يحموا مستوى معيشتهم؟ كلا فقد استفادوا، ولمن يهتم بمصلحة المهاجرين الهنود فقد استفادوا هم أيضا. ربما يبدو المثال كلغز أو خدعة لكنه مثل شريف وصحيح. وكما فسرت سابقا، فالنقطة الجوهرية هي إدراك ما يدفع إلى التغيير في الإنتاجية. إن كان العمال محددين وثابتين، فبشكل عام لن ترتفع الإنتاجية من دون تحسن في مستوى المعيشة. لكن إن تغير عدد العمال وجاء القادمون من مجموعة ذات إنتاجية أدنى فهناك مجال للمزاوجة بين انخفاض في الإنتاجية وارتفاع في مستوى المعيشة. ومن ناحية نظرية إحصائية، فهذه الظاهرة معروفة، وتعرف بـ "ظاهرة ويل روجرز".ـ وبالطبع فالمثال السابق مبسط وكان بالإمكان بناء مثال يعكس علاقة حدسية بين الإنتاجية ومستوى المعيشة. فاهتمامي الأساسي كان دفع القارئ إلى الحذر وعدم الانفعال عند تحليل تأثيرات التحركات في الإنتاجية، وبتذكيره بأن التغيرات في مستوى المعيشة أهم من تغيرات الإنتاجية. فقد مر المجتمع وسوق العمل البحريني بتغييرات كبيرة على مدى آخر 10 سنوات نتيجة الهجرة وعلينا كشعب أن نفهم ما سببته وكيف سببته قبل أن نتخذ قرار حول سياستنا المتجاوبة.ـ طبعا ليس الأفق الاقتصادي هو الوحيد الذي يحمل وزناً في سياساتنا فهناك نواح أخرى مهمة، منها فرض التأثيرات على النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية وهكذا. لكن ليس هذا عذرا للاعتماد على تحليل اقتصادي غير سليم: إن رغبت أن تفهم تحركات الإنتاجية في ظل وجود هجرة كبيرة، يجب التدقيق والتحقيق في مستوى المعيشة بطريقة مباشرة قبل الوصول إلى استنتاج حول الفوائد والمضارـ. |
Omar Al-Ubaydli
This is where you can find all my articles, as well as some of my interviews and media mentions Archives
June 2020
Categories
All
|
Omar Al-Ubaydli
Bahrain Center for Strategic, International and Energy Studies PO Box 496, Manama Kingdom of Bahrain |
© COPYRIGHT 2015. ALL RIGHTS RESERVED.
|