في نوفمبر 2016، كانت أوبك على وشك الانهيار، وكانت الاعتبارات الجيو-سياسية من أهم الأسباب؛ ففي ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين اثنتين من أهم الدول الأعضاء – إيران والسعودية – كيف يمكن لكل من الدولتين أن تثق في التزام الأخرى بحصص الإنتاج؟ ومع قدوم شهر ديسمبر، حققت أوبك إنجازاً مفاجئاً للغاية، إذ شكلت اتفاقية مع دول غير أعضاء، منها روسيا ومنتجون كبار آخرون. وكمعجزة إضافية، بعد مرور ستة أشهر، لم ترَ المنظمة إلا مخالفات نادرة، وارتفعت أسعار النفط بشكل مستدام عن مستواها في نوفمبر 2016؛ وبالتالي تسعى الدول لتمديد الاتفاقية. وكان السبب المحوري لهذا الانقلاب تحوّل الاعتبارات الجيو-سياسية من عائق إلى عامل مساعد.ـ
كخلفية، فإن العوامل الاقتصادية التي تصعّب على أعضاء أوبك التنسيق في خفض الإنتاج، يستحيل التغلب عليها؛ نتيجة لاستحالة الرقابة الموضوعية للإنتاج للدول الأعضاء – فكيف يمكن لدولتين كأنجولا وإكوادور أن تحققا في إنتاج بعضهما البعض؟ فمن يخالف حصة إنتاجه بانفراد، يحصد مردوداً مالياً ملحوظاً؛ وبما أن عدم الالتزام بشكل مخفي هو أمر سهل، فستخالف الدول الأعضاء حصص الإنتاج. ولذا نجد أن الاتحادات الاحتكارية نادراً ما تنطلق، وحتى إذا انطلقت فإنها تنهار بسرعة في العادة.ـ وحدد الاقتصاديون الذين يدرسون احتكارات القلة خصائص السوق الأمثل لتشكيل اتحاد احتكاري، وهي: قلة عدد المنتجين (إثنان إلى أربعة)؛ وتحكّم المنتجين بحصة سوقية مشتركة كبيرة (80% أو أكثر)؛ ووجود كلف إنتاج متجانسة؛ وعمل المنتجين في منطقة متقاربة جغرافيا؛ وفي سوق تتصف بطلب ثابت. وتخالف هذه الخصائص مواصفات أوبك، التي هي منظمة تشمل 12 دولة أعضاء متباعدة جغرافياً، متباينة في كلف الإنتاج، تمثل إجمالاً ما يقل عن نصف السوق، التي تتصف بالطلب المتقلب.ـ وتؤكد البيانات على ذلك: ففي الفترة 1990-2009، بلغ معدل التزام أعضاء أوبك بحصص الإنتاج 4%، وكان إنتاجهم يناظر إنتاج الدول غير الأعضاء. ويشكل الصراع الجيو-سياسي داخل أوبك – الذي برز مؤخراً – مجرد عاملٍ إضافيٍّ يضمن فشل المنظمة؛ إذاً، ماذا حصل في نهاية عام 2016؟ـ خلال الـ 12 شهراً الأخيرة، كان وزير النفط الروسي، ألكساندر نوفاك، ونظيره السعودي، خالد الفالح، يجتمعان بشكل علني؛ نتيجة لوجود رغبة لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين الدولتين. وحوّلت جهودهما أوراق أوبك الضعيفة إلى أوراق معقولة؛ لأسباب مختلفة هي:ـ أولاً: إن روسيا أحد ثلاثة أكبر منتجي النفط عالمياً، كما إنها ليست عضواً في أوبك. وبالتالي، يعزز انضمامها إلى الكتلة حصة أوبك السوقية الفعلية بما يتجاوز 10%.ـ ثانياً: تقع بعض الدول غير الأعضاء الأخرى تحت نفوذ روسيا - إلى حد ما - مثلاً الدول التي كانت في الاتحاد السوفيتي؛ مما يضيف دفعة أخرى إلى الحصة السوقية الإجمالية للكتلة.ـ ثالثاً: قد تساعد علاقة روسيا مع إيران أوبك على التغلب على خلافاتها السياسية الداخلية. كما أنه يمكن الاستفادة من النفوذ الروسي في الدول الأعضاء المحايدة، كالجزائر ومنتجي أمريكا الجنوبية.ـ ومع احتلال السعودية لدور القائد الواقعي للكتلة النفطية الخليجية، وتعاوناً مع روسيا، التي تتميز بنفوذ جيو-سياسي، فقد تحوّل اجتماع أوبك من قمة متعددة الأقطاب غير فاعلة، متجهة نحو الفشل - كما جرى في السابق - إلى تجمّع لشركاء مكوّنين من قطبين فقط، يمثلون معاً أغلبية الإنتاج النفطي العالمي. ولا تضمن هذه الأوضاع النجاح، ولكنها تتيح فرصة للنجاح على الأٌقل. وتدل بيانات أسعار النفط والالتزام بحصص الإنتاج على نجاح لم يتحقَّق طوال السنوات الـ 35 سنة الماضية، فما الذي دفع لتعزيز التعاون الاستراتيجي الروسي-السعودي؟ دون شك، هناك دور للاعتبارات الاقتصادية؛ إذ تضررت المملكة من تراجع أسعار النفط، كما أن الاقتصاد الروسي يعاني من العقوبات الدولية.ـ ولكن كان للاعتبارات الجيو-سياسية دور أهم؛ إذ تسعى روسيا لتنويع أدوات سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، مثلاً في سوريا، حيث استخدمت وسائل دبلوماسية وعسكرية.ـ وفي نفس الوقت، أصبح قادة روس مسلمون مختلفون يدعمون أنشطة روسيا الإقليمية، منهم رمزان قاديروف، الذي نمّى علاقات مع مختلف الجماعات الليبية المسلحة، ومجموعات قوقازية في الشرق الأوسط. وتساهم دبلوماسية النفط في استراتيجية روسيا الإقليمية بشكل محوري.ـ ولكن العلاقات مع السعودية معقدة؛ نتيجة لاختلافات حول القضايا الإقليمية. تعتبر روسيا المملكة أحد أركان منظومة الأمن في الشرق الأوسط، وأحد محركي الحضارة الإسلامية العالمية، التي تشمل 20 مليون روسي مسلم. وبالتالي، ترغب روسيا في التعاون البناء مع السعودية، كوسيلة لتنمية الثقة بين الطرفين. ومن الجانب السعودي، أثبتت خبرتها السلبية مع حكومة أوباما الحاجة لتنويع أدوات سياستها الخارجية، كأولوية للأمن الوطني.ـ وحتى مؤخراً، كان التجانس بين الهيكل الاقتصادي لدى الدولتين يعتبَر عائقاً أمام التعاون؛ لأنه يقلل المردود المتعلق بتنمية التجارة. ولكن بروز مصالح جيو-سياسية مشتركة أصبح يساهم الآن في قلب هذا التقليد السلبي.ـ وعلى الرغم من هذا النجاح المفاجئ، فإن الاتحادات الاحتكارية دائماً هشة – منها هذه الاتفاقية بين أعضاء أوبك وغير الأعضاء. وبالإضافة إلى ذلك، يستمر انعدام اليقين حول الإمكانيات التقنية لدى منتجي النفط الصخري الأمريكيين؛ ممّا يؤكد ضعف أسس اتفاقية فينا. فإلى متى سيستمر تماسك انضباط المنتجين المشاركين؟ـ ولكن لحسن الحظ – حسب منظور كل من روسيا، والسعودية، وشركائهما – لا حاجة لاستمرار الاتفاقية لزمن طويل؛ إذ لا يسعى نوفاك والفالح لتصميم منظومة جديدة لإنتاج النفط العالمي – بل إنهما مجرد باحثيْن عن وسيلة للتخلص من فائض المعروض النفطي الذي يدفع الأسعار للانخفاض. فقد تراجع الاستثمار في القطاع النفطي بشكل كبير منذ منتصف عام 2014، ممّا يؤكد تراجع الإنتاج النفطي العالمي المتوقع في المستقبل المنظور، وبالتالي فهي نظرة إيجابية لأسعار النفط على المدى البعيد. إذاً، قد تساهم مناورات جيو-سياسية ذكية في تسريع عودة أسواق النفط إلى حالة التوازن المطلوب؛ وبالتالي سترحب كل من روسيا والسعودية بتحسن الثقة بين الطرفين؛ نتيجة لذلك.ـ
0 Comments
Leave a Reply. |
Omar Al-Ubaydli
This is where you can find all my articles, as well as some of my interviews and media mentions Archives
June 2020
Categories
All
|